رواية ياسين الفصل الثاني (( البحث عن وظيفة ))



في صبيحة اليوم التالي إنطلق ياسين مع والده إلى مركز المدينة المجاورة لقريتهم ، ولقد كان التنقل من القرية وإليها في غاية الصعوبة ، حيث بدأوا بالإنتظار في شارع القرية الرئيسي لحين مرور أي وسيلة تقلهم ، حتى مرت شاحنة زراعية أشاروا لسائقها فتوقف وحملهم معه ، ثم أوصلهم إلى الطريق الخارجي للقرية حيث نزلوا هناك وشكروا السائق على ايصالهم ، ثم عاد الإنتظار ثانيةً حتى مرّت بهم حافلة ركبوا فيها إلى مركز المدينة المجاورة.

كانت المسافة تقارب الساعة من الزمن وصلوا بعدها وإستقلوا سيارة أجرة إلى مركز التوظيف ، وما إن وصلوا حتى كانت الصدمة لياسين من الإزدحام الشديد على المركز ، لدرجة أنه أحس باليأس الشديد من فرصة إيجاد وظيفة تناسبه ، إذ كيف يُعيّن في وظيفة وهنا كل هذا العدد من الشباب الباحث عن عمل ، لكنه برغم ذلك وبإلحاح والده وقف في الطابور بإنتظار دوره لتقديم أوراقه.

مرّ الوقت بطيئاً تخلله مشاحنات بين وقت وآخر ، وصياحٌ هنا وجدالٌ هناك حتى أحس ياسين بنفسه يختنق فهو لم يعتد على مثل هذا الوضع في أوروبا حيث كان يعيش ، وبينما هو ينتظر كان هناك على مقربةٍ منه كلب صغير يبدو عليه الضعف والجوع والعطش ، يحاول أن يلعق بعض الماء الموجود بإحدى الحفر الصغيرة ، نظر إليه ياسين بشفقة وتمنى لو ينهي أمور أوراق التعيين ليحاول مساعدة هذا الكلب الصغير بالغذاء والماء ، ويبدو أن أحدهم كان يشارك ياسين في تفكيره فقد أقبل شاب وسيم مبتسماً إلى حيث الكلب وأفرغ أمامه علبة من اللحم بدأ الكلب إلتهامها بشراهة كبيرة جعلت من حوله يضحكون ، لكن ضحكتهم لم تدم طويلاً حيث إنقض كلبٌ شرسٌ يحاول أخذ اللحم من الكلب الصغير الذي لا حول ولا قوة له أمام هذا الكلب المتوحش ، ومرة أخرى وجد ياسين نفسه يتمنى أن يبتعد الكلب الكبير ويترك طعام الصغير دون أذيته ، وكان على وشك أن يصرخ فيه طالباً منه الإبتعاد لولا أنه تدارك نفسه في أخر لحظه ، وعاوده نفس التساؤل كيف تراودني فكرة إعطاء الأوامر للحيوانات ولم يخفي ياسين أمنيته لو إستطاع تحقيق ذلك.

لم يغب الموضوع عن ياسين طيلة إنتظار دوره ، وأخذت الأفكار تعصف في ذهنه وتذكر فجأة أستاذه الألماني الكبير ونظريته عن إمكانية التحكم بسلوك وتصرفات الكائنات الحية من خلال نظام كيميائي تكنولوجي موحد ، وبدأ ياسين يسرح في تلك النظرية التي وصلت إلى مرحلة التجربة الفعلية لولا موت معلمه الالماني ، ولم يقطع حبل أفكار ياسين سوى صوت الموظف يطلب منه الاوراق ، ويعطيه إستمارة التوظيف طالباً منه تعبئتها وتسليمها إلى الشباك المجاور.

أنهى ياسين تعبئة الإستمارة وسلمها للموظف الذي طلب منه إنتظار الرد على طلبه خلال أسابيع ، عاد بعدها ياسين إلى الخارج حيث كان والده بإنتظاره وذهبوا معاً إلى سوق المدينة لشراء بعض إحتياجات المنزل ، ركبوا بعدها إلى موقف الحافلات وإستقلوا الحافلة التي تمر بالطريق القريب من القرية وعادوا إلى قريتهم بعد يوم طويل شاق ، وفي طريق العودة عادت الأفكار المجنونة تراود ياسين مرة أخرى ، الفأر ومخزن الغذاء ، الكلب الصغير والكبير ، أستاذه الألماني ونظريته اللاواقعية ، وهل من الممكن التحكم بسلوك وتصرفات الكائنات الحية..؟؟؟؟

بعد أن وصلوا إلى المنزل وتناولوا طعام الغداء ، ذهب ياسين ليستريح في غرفته ، لكن هيهات أن تأتي الراحة وتلك الأفكار أخذت تعصف في رأسه كأنها زوبعة مجنونة ، جعلته يقف منتصباً كأنه جندي في تفتيش ثم أخرج حقيبة كتبه وأوراقه وأخذ يبحث فيها عن ملف البحث الذي قام به إستاذه القديم ، وأخذ يعيد قراءته من جديد ، ويفكر في كل جملةٍ كتبها معلمه ، أخذ يقرأ ويقرأ حتى أنه لم يلحظ دخول والدته الى حجرته إلا عندما سمعها تناديه ياسين ، ياسين ما بالك يا بني ؟ اعتدل في جلسته وتبسم في وجه والدته الريفية البسيطة ويقول في نفسه كيف يا ترى من الممكن أن أشرح لوالدتي فيما أفكر ؟ ثم دعاها للجلوس وقال لها يا أمي هل الأغنام في حظيرة المنزل والأرانب والدجاج تتصرف كما ينبغي ؟؟!! نظرت إليه والدته بدهشة وقالت لم أفهم ما تقول يا بني ، ماذا تعني بتتصرف كما ينبغي ؟؟ إنها حيوانات يا ياسين ماذا تريد منها أن تتصرف ؟؟ أحس ياسين أن كلامه غير مناسب وأن والدته ببساطتها الريفية لن تقهم ما يريد فقال لها لا شيء يا أمي فقط أريد أن أطمئن على الحيوانات في منزلنا ، فردت الأم إطمئن يا بني كل شيء على ما يرام ، إذا كنت لا تريد النوم تعال واشرب معنا الشاي أمام البيت ، فأومأ رأسه بالإجابه وخرجت والدته وتركته في حيرة كبيرة اغلق معها ما كان يقرأ وتبع والدته إلى الخارج.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواية ياسين الفصل السابع (( ليس بالأمر السهل ))

رواية ياسين الفصل الخامس (( خطوةٌ إلى الأمام ))