رواية ياسين الفصل السابع (( ليس بالأمر السهل ))


قبل النوم سأل ياسين زميله ياسر هل تعرف أحداً في قسم الطب البيطري ؟ فأجابه ياسر بأن له صديقاً هناك ، فطلب منه ياسين أن يلتقيا في قسم الطب البيطري ظهر اليوم التالي ليعرفه على صديقه لأنه سيحتاج لمعرفة أشياء كثيرة عن حيوانات التجارب ، فوافق ياسر على ذلك وشكره ياسين كثيراً وقدّر له جهده ومساعدته له ، ثم خلدا الى النوم ، ولكن ياسين لم يستطع النوم لفترة وهو يفكر فيما يجب عمله ، وأصابه الأرق من ذلك وأخذ يتقلب في فراشه وهو يحاول أن ينسى تلك التجربة اللعينة حتى يستطيع النوم ، ولكنها ظلت جاثمة على صدره كأنها جبل كبير يكتم على انفاسه ، ومرة أخرى أحس ياسين بأن هناك أحد قرب باب غرفتهم ، فتسلل بخفة حتى وصل الى الباب وفتحه فجأة لكنه لم يجد أحداً ، وخرج الى الممر يتفقده ولم يكن هناك أي شخص لكنه إشتم رائحة سجائر في الممر كأن هناك أحداً كان يدخن منذ وقت قريب فلا زالت رائحة الدخان في الجو ، ازال ياسين هذه الهواجس من رأسه وعاد الى فراشه يحاول النوم ، وبعد معاناة طويله نام قرب الفجر.

استيقظ ياسين مرهقاً وأحس بثقل كبير في رأسه من السهر ليلة البارحه ، وخرج الى العمل وفي طريقه الى هناك اوقفه رجل فجأة يسأله إن كان معه ولاعة لإشعال سيجارة ، فإعتذر ياسين منه لأنه لا يدخن ومضى في طريقه ، ثم تذكر ليلة البارحه ورائحة السجائر في الممر ، وبدأ يفكر هل أنا اتوهم أم هناك فعلا من يراقبني ، وان كان هناك من يراقبني فلماذا ؟ وايضا حاول استبعاد تلك الفكرة من رأسه ووصل الى المختبر ودخل مكتب الدكتور قاسم فسلم عليه فدعاه للجلوس ، قل لي يا ياسين كيف ترى العمل معنا ، هل بدأت تشعر بالملل ؟ بالطبع لا يا دكتور لن أملَّ أبداً من المختبر حتى لو عملت فيه كل حياتي ، فسأله الدكتور قاسم عن افكار جديدة قد تحسن من جودة العمل وسرعة الانجاز ، فأخبره ياسين بأنه قريباً سيضع خطة منظمة ويعرضها عليه وقد يجد فيها ما يريد ، ثم تفقد خانته ووجد ملفين يحتاجان للدراسة والتحليل فأخذهما وإستأذن من الدكتور قاسم للذهاب لمكتبه وأخبره بأنه سيخرج قرب الظهر لشيء خاص ويعود بعدها الى المختبر فسمح له بذلك.

جلس ياسين في مكتبه يدرس الملفات ليعرف المطلوب منها ، ثم قرر أن ينهي أحدهم قبل الذهاب لقسم الطب البيطري ويترك الآخر حتى يعود ، وبالفعل ذهب الى مجهره وبدأ بالعمل ، حتى انتهى وغيّر ملابسه للذهاب الى قسم الطب البيطري لمقابلة ياسر هناك ، وبعد أن سأل عن موقعه وصل اليه وقد كانت المسافة طويلة قطعها سيراً على الاقدام ، فوجد ياسر بانتظاره أمام البوابة ، دخلوا معاً وتوجه ياسر الى احد المكاتب وطرق الباب فسمع من يدعوه للدخول ، وما إن دخلوا حتى قام الرجل الجالس على المكتب في فرح مُرحباً بياسر ومعاتباً له على قلة تواصله معه ، فأخبره ياسر بأنه مشغول جدا بعملين ، وقال له يبدو أن زميلي ياسين هو من سيتواصل معك كثيراً بالفترة القادمة ، صحيح نسيت أن أعرفكم ببعض ، هذا ابراهيم موظف في الطب البيطري ، وهذا الدكتور ياسين عالم في المختبر ، رحّب كل منهم بالآخر من جديد ودعاهم ابراهيم للجلوس وطلب لهم كوبين من الشاي ، ثم سأل ياسر كيف سيتواصل معنا صديقك ياسين بالفترة القادمة ، هل لديه حيوانات وبحاجة لخدماتنا أم أن العمل بالمختبر لا يعجبه ويريد الانتقال الينا ؟ قال ياسر على العكس يا ابراهيم ، ياسين مستمتع جدا في المختبر بل هو من طلب النقل اليه ، ولكنه يقوم بأبحاث خاصة ويريد أن يستفسر منك عن بعض الأمور المتعلقة بحيوانات التجارب ، تكلم يا ياسين فصديقنا ابراهيم لن يتوانى عن خدمتك ابداً ، بدأ ياسين يسأل عن الحيوانات الموجودة لديهم ، هل هناك فئران وأرانب للتجارب ، وما هي الحيوانات التي يستعملونها في عملهم ، وكيف يحصلون عليها ، والكثير من الأسئلة ، فبدأ ابراهيم يشرح له كل شيء ، إن لدينا هنا اغلب أنواع حيوانات التجارب من الفئران بأنواعها والأرانب والقرود وغيرها الكثير ، وهي مقسمة كل نوع في مكان مخصص وبيئة مهيئة لها ، فنظر ياسين الى ياسر ثم قال هل أستطيع رؤيتها ، قال ابراهيم بالطبع تستطيع ، بعد أن نشرب الشاي سنذهب معاً وترى كل شيء بعينيك ، ياسر صديق عزيز وسأخدمكم بكل ما استطيع ، شكره ياسر وشربوا الشاي وخرجوا الى حيث الحيوانات التي كان ياسين ينتظر لقاءها بلهفة.

وصلوا الى مبنى بالقرب من مكاتب الطب البيطري ، وبعد ان دخلوا قادهم ابراهيم الى غرفة كبيرة بها اقفاص كثيرة تحوي فئران من كل الأنواع ، منها الابيض والأسود والرمادي والصغير والكبير ، فتفقدها ياسين بتمعن حتى رأى النوع الذي يريده وهو نوع من انواع الفئران البيضاء الصغيرة ، فسال ابراهيم هل لديكم الكثير من هذا النوع ؟ فأجابه ابراهيم للأسف فهذا نوع قليل العدد لدينا قد يكون هناك خمسة او ستة فئران منه فقط ، ولكن ان لم تكن على عجل فيمكننا جمع الذكور بالاناث لانجاب المزيد ، فطلب منه ياسين ذلك لحاجته الى عدد اكبر منها ، ثم اخذهم ابراهيم الى غرفة للأرانب وقد كانت كثيرة جدا وبدأ ياسين يبحث عن بعض الانواع حتى وجدها ففرح كثيراً لأنه احس أن موضوع الحيوانات لن يكون عائقاً أمامه ، ثم استمروا في جولتهم الى غرفة تحوي مجموعة من القرود والنسانيس ، لكن ياسين لم يجد النوع الذي كان يبحث عنه فأخبر ابراهيم بأوصافه ووعده ابراهيم ان يحاول تأمينه بها من حدائق الحيوان التي يتعاملون معها ، والعمل على تكاثرها للحصول على عدد جيد منها ، ثم عادوا الى مكتب ابراهيم وما ان جلسوا حتى قال ابراهيم فجأة ولكن ما هي الابحاث التي تعمل عليها يا دكتور ياسين وتحتاج كل هذه الحيوانات ، فإرتبك ياسين ولم يجب لكن ياسر تدارك الموقف وقال انها ابحاث عن سلوك الحيوانات يا ابراهيم فكما قلت لك الدكتور ياسين عالم كيميائي ويقوم بالابحاث باستمرار ، فوعدهم ابراهيم بالمساعدة في كل شيء ، فشكروه وغادروا.

مضى الصديقان كل منهم الى عمله ، وعندما وصل ياسين الى المختبر وجد الدكتور قاسم في مكتبه برفقة الدكتور حسن وقد بدا عليهم التوتر والقلق ، فإستأذن ودخل ثم سألهم إن كان هناك ما يقلقهم ، فدعاه الدكتور قاسم للجلوس ، ثم أشار للدكتور حسن أن يتحدث فقال الدكتور حسن لقد واجهتنا مشكلة يا ياسين ولعلك تساعدنا في حلها ، لقد فُقدت عينات من المختبر ولا نعلم أين ذهبت ، وهذه العينات تخص قسم الحشرات ، ولقد أحضروها لنا قبل أسبوع وبدأنا العمل على تحليلها وأنتهينا من سبع عينات من أصل عشرة ، وكنا نحتفظ بها في رف من رفوف القاعة ، واليوم لم نجدها ولا نعلم أين ذهبت فما رأيك ؟ أصابت ياسين الحيرة ولم يعرف ماذا يقول أين ذهبت تلك العينات ، لا احد في المختبر يحتاج شيئاً كهذا ، ثم جاءته فكرة لعل عنتر وهو ينظف المختبر أسقطها دون قصد فإنكسرت العبوات الزجاجية فأخفاها حتى لا يلاحظ احد ذلك خوفاً من غضب المدير منه ، فبادر ياسين بإخبار الدكتور قاسم ومساعده بالأمر ، فاستدعوا عنتر برغم أنهم لم يقتنعوا بالموضوع لأنهم يعرفون عنتر منذ فترة طويلة وهو صادق ومنضبط جداً ولو فعل شيء كهذا لكان أخبرهم بذلك ، دخل عنتر يعتقد أنهم طلبوه لأمر يتعلق بالعمل ، فدعاه الدكتور قاسم للجلوس ، ثم قال له مباشرة يا عنتر هل أسقطت بعض القوارير وأنت تنظف المختبر ، أجاب عنتر لا يا سيدي المدير لم يحدث هذا ولو كان حدث لأخبرتكم مباشرة ، قال الدكتور حسن يا عنتر إن حصل ذلك اخبرنا ونحن نعالج الامر ولا تخف من شيء ، ولكن عنتر عاد واجاب بأنه ذلك لم يحدث مطلقاً ، فطلب منه الدكتور قاسم الذهاب لعمله ، وعادت الحيرة الى الثلاثة من جديد ، فقال الدكتور قاسم لا مفر يجب اخبار قسم الحشرات لإحضار عينات جديدة لتحليلها مرة أخرى ، ولكن يجب الانتهاء منها بأسرع وقت ممكن ، فأخبره ياسين بأنه مستعد للتأخر من اجل انهائها في اقرب وقت.

في طريق عودة ياسين الى السكن مـرَّ بمحل للإلكترونيات وشاهد أجهزة الحاسوب وبعض الأشياء الأخرى التي سيحتاجها في عمله ، وقد عرف أنه سيحتاج إلى مبلغ كبيراً من المال ليؤمن كل تلك الاشياء ، وبدأ اليأس يتسلل الى قلبه مرة أخرى ، حيوانات وحواسيب وأجهزة ومعدات مخبرية ، هذا غير المواد الكيميائية ، كل ذلك يحتاج الى وقت طويل ومال كثير ، أليس هناك أحد يساعدني في ذلك ؟ لن استطيع وحدي القيام بمثل هذا الأمر ولا بد من جهة تدعمني بما يلزم ، ماذا لو أخبرت الجهات الرسمية بالأمر ؟ لا لا سوف أدخل في متاهات كثيرة ولن يقتنعوا بكلامي ، أنا بحاجة لعالم مثلي ليقتنع بما أقوم به ، ومضى الى سكنه يائس حائر لا يعرف ماذا يفعل.

في المساء جلس ياسين مع ياسر يتناولون الطعام وبدأ يحدثه عما يجول بخاطره ، فأخبره ياسر بأن ابلاغ الجهات الرسمية بالامر لن يجدي شيئاً ويجب أن يدعه آخر الحلول إذا أقفلت جميع الأبواب في وجهه ، ونصحه بإخبار الدكتور قاسم بالامر فهو عالم مثله وقد يقدر ما ينوي القيام به ، وإن لم يساعده مباشرة قد يوجهه الى الطريق الصحيح ، فاقتنع ياسين بكلام ياسر وقرر أن يخبر الدكتور قاسم بالأمر ، ولكن المختبر ليس المكان المناسب للكلام في مثل هذا الأمر ، وفكّر أن يدعوه إلى السكن ليتكلم بكل راحة ويطلعه على الملف ويرى رأيه في الأمر ، ثم عاد وسأل ياسر هل تلاحظ بأن هناك أحد يراقبنا ، إن هذا الأمر يساورني كثيرا هذه الأيام ولا اعرف سببه ، فطمأنه ياسر بأنها مجرد هواجس وتهيؤات يشعر بها نتيجة القلق والتوتر بسبب الموضوع الذي يشغل باله وليس هناك شيء من هذا القبيل ، ولكن برغم كلام ياسر إلا أن ياسين ظل يفكر في أن هناك من يراقبه ، ولكن لماذا ؟؟

في صباح اليوم التالي ذهب ياسين الى المختبر مبكراً فوجد الدكتور قاسم والدكتور حسن في المكتب ، وما إن دخل حتى أخبره المدير بأن قسم الحشرات أحضروا العينات الجديدة وطلبوا انجازها في أسرع وقت ممكن لأنهم بحاجة لها في العمل ، فغيّر ياسين ثيابه مباشرة وبدأ في تحليل العينات ، وانتهى موعد العمل ولكن ياسين والدكتور حسن والدكتور سليم وراتب وعنتر ظلوا في المختبر لإكمال المطلوب ، وبعد فترة بدأوا يغادرون واحداً تلو الآخر وظل ياسين وحده يعمل وعنتر يراقبه حتى أخذ العرق يتصبب منه وبدأ يشعر بالتعب لكنه ظل مستمراً لإنهاء الأمر ، وبعد فترة قرر أخذ استراحة قصيرة يشرب خلالها كوب من الشاي أعدّه له عنتر ، الذي شعر بالشفقة على ياسين لأن الإرهاق بدا واضحاً عليه ، لكن ياسين ابتسم له وقال حدثني عن نفسك يا عنتر ، هل أنت مرتاح في هذه الحياة ؟ تنهد عنتر وقال ومن يرتاح في هذه الحياة المريرة يا دكتور ، إنني أشقى واتعب وبالكاد اؤمن لقمة العيش ، وانت تعرف ظروف الحياة الصعبة ، فمثلي لا يحمل شهادات علمية ولا حتى حرف فنية وسوف ابقى اعيش في ضنك حتى أموت ، إلا إذا حدث شيء غيّر حياتي وقلبها رأساً على عقب ، فخطر في بال ياسين فكرة حاول ابعادها مباشرة لأنه شعر بأن فيها من الحقارة ما لا يمكن أن يتصوره ، وبدأ يشرح لعنتر بأنه يجب أن يحاول تحسين وضعه المعيشي ، ويجب أن لا تتوقف حياته عند هذا العمل ، ومن الممكن أن يبحث عن عمل اضافي يزيد من دخله ويحسن من وضعه ، ومضى ياسين لإتمام عمله وقبل أن يضع عينيه في المجهر التفت الى احدى النوافذ وأحس بأنه رأى شبح شخص ينظر إليه في الظلام ، فصرخ منادياً عنتر وذهبوا معاً وفتحوا النافذة ولكن لا أحد ، فضحك عنتر وقال ألم أقل لك يا دكتور بأنه يجب عليك الذهاب الى بيتك لتستريح فقد تعبت كثيراً هذا اليوم حتى بدأت تتخيل اشباح خلف النوافذ ، لكن ياسين عاد دون أن يتكلم وبدأ يتابع عمله على المجهر وظل كذلك حتى أخبره عنتر بأنه سيغادر فالساعة قاربت على العاشرة ليلاً ، وسمح له ياسين بالمغادرة وأخبره بأنه سيبقى قليلاً ثم يغادر هو الآخر.

ظل ياسين وحيداً في المختبر يعمل حتى اقترب منتصف الليل ، وبدا يشعر بالإرهاق الشديد وأنه لن يستطيع العمل أكثر ، لكنه أصر على البقاء والعمل لأنه وعد الدكتور قاسم بانجاز المطلوب في اسرع وقت ، وبقي يعمل ويعمل حتى اخر عينة ، والقى بنفسه على الكنبة القريبة وقبل أن يغفو خيّل إليه أن شبح النافذة قد عاد من جديد لكنه عرفه هذه المرة فقد كان انعكاس ضوء القمر واضحاً على وجهه ، ولكن ياسين لم يصدق عينيه ، مستحيل !! غير ممكن وذهب في سبات عميق لم يستيقظ منه إلا على اصوات قريبة ، ففتح عينيه ليرى الدكتور قاسم وبعض زملائه في المختبر حوله ، ما هذا يا ياسين هل نمت ليلتك هنا ؟ إني أقدر لك كل هذا الجهد يا ياسين ، أنت مثال للموظف المخلص وتستحق الشكر والتقدير من الجميع ، فأخبره ياسين بأنه أنهى جميع العينات وأصبحت تقاريرها جاهزة تماما ، فطلب منه الدكتور قاسم تغيير ثياب العمل والعودة للسكن ليستريح بعد كل هذا الجهد ، فقام ياسين وهو يشعر بالارهاق الشديد لأنه لم ينم إلا ساعة أو اكثر قليلاً ، ثم غيّر ملابسه وذهب الى السكن ، وما إن وصل حتى ذهب لفراشه وأخذه النوم سريعاً.

استيقظ ياسين في المساء وهو يشعر بالتحسن بعد هذا النوم العميق ، فصنع لنفسه كوباً من القهوة وخرج الى الشرفة وبدأ يتذكر كل ما مـرَّ به في ليلته في المختبر ، وتذكر فجأة شبح النافذة ، غير معقول !! هل لهذه الدرجة أهذي ؟؟ ولكن لقد رأيته فعلاً ، إنه استاذي القديم !! ولكنه ميتٌ منذ زمن كيف لي أن أراه هنا بعد هذه السنين ؟؟! لا بد أن الإرهاق هو سبب تلك التهيؤات ، يجب أن أنسى الموضوع تماماً ، وعاد يشرب القهوة ويستمتع بنسمات الهواء العليل حتى رأى ياسر يدخل من بوابة السكن ، ويصعد إليه يحمل كيساً من الطعام ودعاه لتناوله سوياً ، والآن يا دكتور ياسين ماذا تنوي أن تفعل ؟ لا شيء يا ياسر لكن كنت أريد منك خدمة أخرى وأنا أعلم أنني قد أثقلت عليك كثيراً ، تفضل يا ياسين ولا تقل مثل هذا الكلام فنحن صديقان ، إلا إذا كنت ترى غير ذلك ، بالطبع لا يا ياسر أنت صديقي الوحيد هنا وأنا أثق بك تماما وإلا لما صارحتك بسري الذي لم أبوح به لأحد قبلك ، إذا تكلم يا ياسين ، اعتدل ياسين في جلسته وقال اريد منك أن تجد لي عملاً إضافياً في المساء ، هل تستطيع ذلك ؟ ابتسم ياسر وقال فقط هذا هو الأمر ، سأحاول تأمينك بالعمل بأقرب وقت ، ولكن هل لديك الوقت لذلك ؟ انا اعرف انك مشغول تماماً في المختبر وتتأخر بعد نهاية الدوام ، هذا غير مغامرتك القادمة إن أردت القيام بها ، رد ياسين إن مغامرتي القادمة هي سبب بحثي عن عمل إضافي فأنا كما تعلم يلزمني الكثير من المال لتأمين كل ما أريد ، طمأنه ياسر بأنه سيجد له عملاً في وقت سريع ، فليكن جاهزاً.

بدأت الأيام تمر وياسين يمضي في عمله بجهد ونشاط ملحوظ ، حتى أثبت جدارته بالمختبر وكسب ثقة المدير ومساعده وكافة الموظفين ، وأصبح من أعمدة المختبر الرئيسية التي يُعتمد عليها في أغلب الأمور ، واستطاع ياسر أن يجد لياسين عمل في محل ملابس قريب لعمله ، فأصبح يذهب مباشرة من المختبر الى محل الملابس ، وأصبح يجمع المال ويوفره ويقتصد في كل مصاريفه ليستطيع تأمين كل ما يلزم لتجربته القادمة ، وفي أحد الأيام قرأ في الصحف إعلاناً عن دورات في الحاسوب والالكترونيات تُعقد أيام الإجازة الاسبوعية في معهد قريب ، فقرر أن يأخذ دورة تساعده في تطوير نفسه من هذه الناحية ، وبدأ فعلاً في ذلك ، وأصبح وقته ضيقاً تماما ولا يوجد به فسحة من فراغ ، ما بين عمل المختبر ومحل الألبسة ، حتى بالاجازة الاسبوعية يذهب للمعهد لحضور الدورة ، فنسي القرية والأهل وكل شيء ، إلى أن جاءه رئيس المختبر في أحد الأيام يقول له بأن الدكتور حازم مدير المركز كلمه وأخبره بأن أهل ياسين إتصلوا من القرية وطلبوا منه أن يخبر ياسين بضرورة اتصاله بهم لأمر هام جداً ، فذهب ياسين مباشرة واتصل بدكان ابو أحمد وطلب الحديث مع والده ، وما هي إلا دقائق حتى سمع صوت والده على الخط وقد كان يبدو من صوته انه قلق ومتوتر ، فسأله ياسين ماذا هناك يا أبي ؟ يجب أن تأتي يا بُني ، تعال إلينا في أقرب وقت وستعرف ، ولكن يا ابي إني مشغول جداً هذه الأيام فأخبرني ماذا هناك ؟ إن أمك مريضة يا ياسين وهي تطلب لقائك يا بني ، ما بها يا أبي ، هل هي بخير ؟ اطمئن يا ولدي وعكة صحية ولكنها مشتاقة لرؤيتك ، حسناً يا أبي سأحضر غداً الى القرية ، أخبر والدتي بأن تنتظرني فأنا مشتاق جداً لكم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواية ياسين الفصل الثاني (( البحث عن وظيفة ))

رواية ياسين الفصل الخامس (( خطوةٌ إلى الأمام ))